رؤية المملكة والمتعلم المُنتج
* عبدالله بن جديع الغفيلي ،،،
كان من أبرز التزامات رؤية المملكة 2030 هو وجود تعليم يُسهم في رفع عجلة الاقتصاد والتنمية وأوضحت الرؤية أن السبيل لذلك يتمثل في تطوير التعليم العام من خلال إحراز نتائج متقدمة مقارنة بمتوسط النتائج الدولية والحصول على تصنيف متقدم في المؤشرات العالمية للتحصيل التعليمي، وأكدت الرؤية 2030م أن ذلك يتحقق من خلال إعداد مناهج تعليمية متطورة تركز على المهارات الأساسية.
كثير ما تم تناول واقع التعليم لدينا من خلال العناصر الأربعة للمنهج (الأهداف، المحتوى، طرق التدريس، التقويم) ، وما يصاحبها من تنظير وتفريد لكل عنصر منها لحد الإسراف الذي جعلنا ننسى العمليات والتفاعلات الصفية الأساسية بين تلك العناصر ، وكيفية تفعيلها من خلال إيجاد علاقات منطقية وإبداعية يستخدمها المعلم لإنجاح المحتوى وربطه بالأهداف وبالطريقة وإيجاد آلية مبتكره للتقويم ، هذه العلاقات فُقدت لأسباب منها إشغال المعلم عن المهمة الأساسية (التدريس) وأسباب أخرى تتعلق بقصور تدريب وتأهيل المعلم في التصميم التدريسي وكيفية تحقيقه خاصةً مع قلة العناية بتلك العمليات التصميمية من قبل مؤسساتنا التعليمية حيث لم اجد أي برنامج تخصصي يناقش عمليات تصميم التدريس وخطواته بشكل مركز في الجامعات السعودية، عدا مقررات قليلة بين طرق التدريس وتقنيات التعليم حيث حاولت هذه المقررات ربط تلك العناصر مع بعضها ، في حين أولت الجامعات الأجنبية موضوع تصميم التدريس عناية كبيرة حيث أعدت له برامج متخصصة في الماجستير والدكتوراه ، وأقامت المؤسسات التعليمية الأجنبية المختبرات التربوية التي تعمل على دراسة الممارسات الصفية كنظام متكامل يحاول الوصول بالمتعلم لمتعة التعليم .
إن واقع العمليات التدريسية وما يدور داخل الفصل بين المعلم والمتعلم هو أمر جدير بالعناية بحيث لا نعزل كل عنصر عن بقية العناصر ونغرق دون أن نشعر في التأطير النظري لطرق التدريس والمحتوى والتقويم بعيدًا عن الهدف الأسمى وهو وصول المعلومة واكتساب المهارة بسهولة.
لقد ركزت معظم أدبيات الدراسات التربوية والنفسية على أهمية العناية بواقع العمليات التدريسية ومبادرات المتعلمين وتحقيق حاجاتهم للوصول إلى تعليم يؤدي الى الابتكار والإنتاج للوصول إلى المتعلم المنتج والذي حث عليه ديننا الإسلامي ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ (رواه الترمذي) .
المتعلم المنتج هو ما عرفه Schlechty نقلاً عن (الحر، 2001م،) " بأنه الشخص الذي يستطيع استثمار ما تعلمه من حقائق وقواعد ونظريات وقيم أو أي شكل من أشكال المعرفة لإنتاج منتجات " ص 126.
وارتبط مسمى المتعلم المنتج مع نظرية جون ديوي الذي ذكر بأن المعرفة لا تكون معرفة إلا إذا تحولت إلى عمل منتج ، ولكي نصل إلى متعلم منتج يجب أن نٌعنى بكل ما يؤثر على نمو شخصية الطالب النفسية والجسمية والاجتماعية وتنمية تفكيره من خلال وضوح أدوار كلاً من المعلم والمتعلم داخل إطار الـ (45) دقيقة التي تقدم للمتعلم.
مع الكم الهائل من المعلومات التي تزخر به وسائل التقنية يبرز سؤال حاول (قلادة، 2006م،ص149) أن يجيب عليه : هل ينبغي على المعلمين توجيه اهتمامهم تمامًا بالمحتوى الذي يتعلمه التلاميذ؟ أم يصير اهتمامهم قاصراً على العمليات التي تقدم للمتعلم؟ أي أننا نتحدث عن المحتوى مقابل العملية؟ وخير من أعانتني على الإجابة على هذا السؤال هالفورسون -كبير مصممي التعليم الإلكتروني في MUFG Union Bank-حيث تقول: إن أهم عنصر يجب مراعاته في تصميم التعليم هو شغف التعلم فمن أجل تصميم الدورات التي تحافظ على المتعلمين من الضروري أن نفهم كيف يتعلم الناس وما يحفزهم على التعلم، ومن ثم التصميم وفقاً لذلك .(https://goo.gl/QrdVBn).
لذلك يجب التركيز على متعة التعليم التي تحدث داخل الفصل الدراسي أوَّلاً وهذا لن يأتي دون العناية بالمتعلم نفسه من خلال تحفيزه ، والتحفيز هنا لا يعني تقديم الثناء أو حتى المكافأة التشجيعية فقط بل التحفيز يبدأ من العناية بأنماط المتعلم وخصائصه حيث فهم أنماط المتعلمين هو نقطة حاسمة بتلك التفاعلات التربوية بين المعلم والمتعلم فلن تكون تلك العمليات ذات تأثير كبير إن لم تُبنى لتراعي تلك الأنماط وقد عرف كولب أنماط التعلم نقلاً عن (جابر،قرعان ،2004،ص 14) " بأنها الطريقة المفضلة لدى الفرد لإدراك المعلومة ومعالتها".
في هذا الصدد تذكر كلوديا هاموند أنه في عام 2014م أخذ بول هاوارد جونز الأستاذ بجامعة بريستول، عيّنة من المعلمين من خمس دول، ووجد أن نسبة المعلمين الذين يتفقون مع فكرة تعلم التلاميذ بشكل أفضل إذا تلقوا تعليماً وفقا لأسلوبهم المفضل تتراوح بين 93 في المئة في المملكة المتحدة و97 في المئة في الصين وتركيا. (https://goo.gl/IkvX2C).
لذلك يمكن القول بأن العناية بأنماط المتعلمين وأسلوبهم المفضل في التعلم الممتع من خلال العناية بالعمليات والتفاعلات التي تحدث للمتعلم مهما كانت الأهداف والمحتوى و الطريقة والتقويم، فالخلطة التي يتم تصميمها بين تلك العناصر هي النقطة الحاسمة للوصول للمتعلم المنتج وسط تعليم تنافسي يحقق رؤية المملكة 2030 بإذن الله تعالى.
المراجع المستخدمة :
1. الحدري، خليل عبد الله (1418) التربية الوقائية في الإسلام ومدى استفادة المدرسة الثانوية منها، مكة المكرمة: معهد البحوث العلمية وإحياء التراث.
2. الحر، عبد العزيز (2001م). مدرسة المستقبل، مكتبة التربية العربي لدول الخليج.
3. الخليفة، عمر هارون (1994) ندوة التكنلوجيا والتنمية في العالم العربي نحو استثمار أفضل للموارد العلمية العربية ورقة بعنوان إثر التربية والتعليم في تنمية الابداع في العالم العربي، منظمة الموارد العلمية والتكنلوجية في اكاديمية اكسفورد للدراسات العالية بريطانيا.
4. زيدان، محمد مصطفى (1405) علو النفس التربوي، ط2، جده: دار الشروق.
5. عبد الرحمن، محمد السيد. (1998) دراسات في الصحة النفسية. - القاهرة: دار قباء.
6. العمايرة، محمد حسن (2002)، المشكلات الصفية، السلوكية، التعليمية، الأكاديمية. الأردن: دار الميسرة.
7. الغزيوات، محمد والراسبي، خميس والجفوت، وفاء.(1421هـ، 2001) ."تحليل القيم في محتويات كتب التربية الوطنية للمرحلة الإعدادية في سلطنة عمان". مجلة جامعة الملك سعود، العدد 2.
8. قلاده ، فؤاد سليمان .(2006م)."نظرية المنهج والنموذج التربوي"، مصر ، مكتبة بستان المعرفة ،ط2.
9. مدّاح، سامية صدقة حمزة (2001) فاعلية استخدام التعلم التعاوني ومعمل الرياضيات في تنميـة بعض المفاهيم الرياضية لدى تلميذات الصف السادس الابتدائي بالمـدارس الحكوميـة بمدينة مكة المكرمة-دراسة شبه تجريبية. (رسالة ماجستير غير منشـورة). جامعـة أم القرى. مكة المكرمة. المملكة العربية السعودية.
المراجع الإلكترونية:
10. https://goo.gl/IkvX2Cjhvd تم استرجاعه بتاريخ 8 ديسمبر ، 2016م .
11. https://goo.gl/IkvX2C تم استرجاعه بتاريخ 8 ديسمبر ، 2016م .
تعليقات
إرسال تعليق